فصل: (سورة غافر: الآيات 38- 39):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة غافر: الآيات 36- 37]:

{وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِبًا وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (37)} قيل: الصرح: البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد، اشتقوه من صرح الشيء إذا ظهر، و{أَسْبابَ السَّماواتِ} طرقها وأبوابها وما يؤدى إليها، وكل ما أداك إلى شيء فهو سبب إليه، كالرشاء ونحوه، فإن قلت: ما فائدة هذا التكرير؟ ولو قيل: لعلى أبلغ أسباب السماوات لأجزأ؟ قلت: إذا أبهم الشيء ثم أوضح كان تفخيما لشأنه، فلما أراد تفخيم ما أمل بلوغه من أسباب السماوات أبهمها ثم أوضحها، ولأنه لما كان بلوغها أمرا عجيبا أراد أن يورده على نفس متشوفة إليه، ليعطيه السامع حقه من التعجب، فأبهمه ليشوف إليه نفس هامان، ثم أوضحه. وقرئ: {فأطلع} بالنصب على جواب الترجي، تشبيها للترجى بالتمني. ومثل ذلك التزيين وذلك الصدّ {زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ} والمزين: إما الشيطان بوسوسته، كقوله تعالى {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} أو اللّه تعالى على وجه التسبيب، لأنه مكن الشيطان وأمهله. ومثله {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ} وقرئ: {وزين له سوء عمله} على البناء للفاعل والفعل للّه عزّ وجلّ، دلّ عليه قوله {إِلى إِلهِ مُوسى وصدّ} بفتح الصاد وضمها وكسرها، على نقل حركة العين إلى الفاء، كما قيل: قيل. والتباب الخسران والهلاك، وصدّ: مصدر معطوف على سوء عمله. وصدّوا هو وقومه.

.[سورة غافر: الآيات 38- 39]:

{وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (39)}.
قال {أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ} فأجمل لهم، ثم فسر فافتتح بذم لدنيا وتصغير شأنها، لأنّ الإخلاد إليها هو أصل الشر كله، ومنه يتشعب جميع ما يؤدى إلى سخط اللّه ويجلب الشقاوة في العاقبة. وثنى بتعظيم الآخرة والاطلاع على حقيقتها، وأنها هي الوطن والمستقر، وذكر الأعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما، ليثبط عما يتلف وينشط لما يزلف، ثم وازن بين الدعوتين: دعوة إلى دين اللّه الذي ثمرته النجاة، ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار، وحذر، وأنذر، واجتهد في ذلك واحتشد، لا جرم أن اللّه استثناه من آل فرعون، وجعله حجة عليهم وعبرة للمعتبرين، وهو قوله تعالى {فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ} وفي هذا أيضا دليل بين على أنّ الرجل كان من آل فرعون. والرشاد نقيض الغى. وفيه تعريض شبيه بالتصريح أنّ ما عليه فرعون وقومه هو سبيل الغى.

.[سورة غافر: آية 40]:

{مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40)}.
{فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها} لأنّ الزيادة على مقدار جزاء السيئة قبيحة، لأنها ظلم. وأما الزيادة على مقدار جزاء الحسنة فحسنة، لأنها فضل. قرئ: {يَدخلون} و{يُدخلون} {بِغَيْرِ حِسابٍ} واقع في مقابلة إلا مثلها، يعنى: أن جزاء السيئة لها حساب وتقدير، لئلا يزيد على الاستحقاق، فأما جزاء العمل الصالح فبغير تقدير وحساب، بل ما شئت من الزيادة على الحق والكثرة والسعة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وقرأ ابن عامر: {أشَدَّ مِنْكُمْ} بالكاف، وكذلك هو في مصاحفهم، وهو على الانصراف من الغَيْبَة إلى الخطاب، {وما كان لهم مِنَ الله} أي: من عذاب الله {مِنْ واقٍ} يقي العذاب عنهم.
{ذلك} أي: ذلك العذاب الذي نزل بهم {بأنَّهم كانت تأتيهم رسُلُهم بالبيِّنات} إلى آخر الآية.
ثم ذكر قصة موسى وفرعون ليَعتبروا.
وأراد بقوله: {اقتُلوا أبناءَ الذين آمنوا معه} أعيدوا القتل عليهم كما كان أوّلًا، قاله ابن عباس.
وقال قتادة: كان فرعون قَدْ كف َّعن قتل الوِلْدانِ، فلمّا بَعَثَ اللهُ موسى، أعاد عليهم القتل لِيصُدَّهم بذلك عن متابعة موسى.
قوله تعالى: {وما كَيْدُ الكافرين إلاّ في ضلال} أي إنه يَذْهَب باطلًا ويَحيق بهم ما يريده اللهُ عز وجل.
{وقال فرعونُ ذَرُوني أقْتُلْ موسى} وإنما قال هذا، لأنه كان في خاصَّة فرعونَ مَنْ يَمْنَعُه مِنْ قَتْله خوفًا من الهلاك {وَلْيَدْعُ ربَّه} الذي يزعُم أنه أرسله فلْيمنعه من القتل {إِنِّي أَخافُ أن يبدِّل دينَكم} أي: عبادتكم إيّاي {وأن يُظْهِرَ في الأرض الفسادَ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {وأن} بغير ألف.
وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: {أو أن} بألف قبل الواو على معنى: إن لم يبدِّل دِينَكم أوْقَعَ الفسادَ، إلاّ أن نافعًا وأبا عمرو قرآ: {يُظْهِرَ} بضم الياء {الفسادَ} بالنصب.
وقرأ الباقون {يَظْهَرَ} بفتح الياء {الفسادُ} بالرفع، والمعنى: يظهر الفساد بتغيير أحكامنا فجعل ذلك فسادًا بزعمه؛ وقيل: يقتل أبناءَكم كما تفعلون بهم.
فلمّا قال فرعونُ هذا، استعاذ موسى بربّه فقال: {إنِّي عُذْتُ بربِّي وربِّكم} قرأ ابن كثير، وعاصم، وابن عامر: {عُذْتُ} مبيَّنة الذّال، وأدغمها أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، وخلف {مِنْ كُلٍّ متكبِّرٍ} أي: متعظّم عن الإِيمان فقصد فرعونُ قتل موسى، فقال حينئذ {رجُلٌ مؤمِنُ من آل فرعون} وفي الآل هاهنا قولان:
أحدهما: أنه بمعنى الأهل والنَّسب؛ قال السدي ومقاتل: كان ابنَ عمٍّ فرعون، وهو المراد بقوله: {وجاء رجُلٌ مِنْ أقصى المدينة يَسعى} [القصص: 20].
والثاني: أنه بمعنى القبيلة والعشيرة؛ قال قتادة ومقاتل: كان قبطيًّا.
وقال قوم: كان إسرائيليًّا، وإنما المعنى: قال رجل مؤمن يكتُم إيمانَه من آل فرعون؛ وفي اسمه خمسة أقوال:
أحدها: حزبيل، قاله ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: حبيب: قاله كعب.
والثالث: سمعون، بالسين المهملة، قاله شعيب الجبَّائي.
والرابع: جبريل.
والخامس: شمعان، بالشين المعجمة، رويا عن ابن إسحاق، وكذلك حكى الزجاج شمعان بالشين، وذكره ابن ماكولا بالشين المعجمة أيضًا.
والأكثرون على أنه آمن بموسى لمّا جاء.
وقال الحسن: كان مؤمنًا قبل مجيء موسى، وكذلك امرأة فرعون.
قال مقاتل: كتم إيمانه من فرعون مائة سنة.
قوله تعالى: {أتقتُلون رجُلًا أن يقولَ} أي: لأن يقولَ {ربِّيَ اللهُ} وهذا استفهام إنكار {وقد جاؤكم بالبيِّنات} أي: بما يدُلُّ على صِدقه {وإِن يَكُ كاذبًا فعليه كَذِبُه} أي: لا يضرُّكم ذلك {وإن يَكُ صادقًا يُصِبْكم بَعْضُ الذي يَعِدُكم} من العذاب.
وفي {بَعْض} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها بمعنى كُلّ، قاله أبو عبيدة، وأنشد للبيد:
تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إِذا لَمْ أَرْضَها ** أوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفوسِ حِمامُها

أراد: كُلَّ النفُّوس.
والثاني: أنها صِلَة؛ والمعنى: يُصِبْكم الذي يَعِدُكم، حُكي عن الليث.
والثالث: أنها على أصلها، ثم في ذلك قولان:
أحدهما: أنه وعدهم النجاةَ إن آمنوا، والهلاكَ إن كفروا، فدخل ذِكْر البعض لأنهم على أحد الحالين.
والثاني: أنه وعدهم على كفرهم الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة، فصار هلاكُهم في الدنيا بعضَ الوَعْد، ذكرهما الماوردي.
قال الزجاج: هذا باب من النظر يذهب فيه المُناظِر إلى إلزام الحُجَّة بأيسر ما في الأمر، وليس في هذا نفي إصابة الكلِّ، ومثله قول الشاعر:
قَدْ يُدْرِكُ المُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ ** وَقَدْ يَكُونُ مِنَ المُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ

وإنما ذكر البعض ليوجبَ الكلَّ، لأن البعض من الكلّ، ولكن القائل إذا قال: أقل ما يكون للمتأني إدراك بعض الحاجة، وأقل ما يكون للمستعجل الزَّلل، فقد أبان فَضْلَ المتأنِّي على المستعجِل بما لا يَقْدِر الخصم أن يدفعه، فكأنَّ المؤمن قال لهم: أَقَلْ ما يكون في صِدقه أن يُصيبَكم بعضُ الذي يَعِدُكم، وفي بعض ذلك هلاككم؛ قال: وأما بيت لبيد، فإنه أراد ببعض النفوس: نَفْسَه وحدها.
قوله تعالى: {إنَّ الله لا يَهْدي} أي: لا يوفِّق للصَّواب {من هو مُسْرِفٌ} وفيه قولان:
أحدهما: أنه المشرك، قاله قتادة.
والثاني: أنه السَّفَّاك للدَّم، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {ظاهرِين في الأرض} أي: عالِين في أرض مصر {فمن يَنْصُرنا} أي: من يَمْنَعُنا {من بأس الله} أي: من عذابه؛ والمعنى: لا تتعرَّضوا للعذاب بالتكذيب وقَتْل النَّبيِّ، فقال فرعونُ عند ذلك: {ما أُرِيكم} من الرّأي والنّصيحة {إلاّ ما أَرى} لنفسي {وما أهْدِيكم} أي: أدعوكم إلاّ إلى طريق الهُدى في تكذيب موسى والإيمان بي، وهذا يَدُلُّ على أنه انقطع عن جواب المؤمِن.
{وقال الذي آمن يا قومِ إِنِّي أخافُ عليكم مِثْلَ يَوْمِ الأحزابِ} قال الزجّاج: أي مِثْلَ يَوْمِ حزب حزب؛ والمعنى: أخاف أن تُقيموا على كفركم فينزلَ بكم من العذاب مِثْلُ ما نزل بالأُمم المكذِّبة رسلهم.
قوله تعالى: {يومَ التَّنادِ} قرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {التَّنادِ} بغير ياءٍ.
وأثبت الياء في الوصل والوقف ابن كثير، ويعقوب، وافقهم أبو جعفر في الوصل.
وقرأ أبو بكر الصِّدِّيق، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، وابن جبير، وأبو العالية والضحاك: {التَّنادِّ} بتشديد الدال.
قال الزجاج: أمّا إثبات الياء فهو الأصل، وحذفها حسن جميل، لأن الكسرة تدُلُّ على الياء، وهو رأس آية، وأواخر هذه الآيات على الدَّال، ومن قرأ بالتشديد، فهو من قولهم: نَدَّ فلان، ونَدَّ البعير: إِذا هرب على وجهه، ويدل على هذا قوله: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} وقوله: {يومَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أخيه} [عبس: 34] قال أبو علي: معنى الكلام إنِّي أخاف عليكم عذاب يوم التَّناد.
قال الضحاك: إذا سمع الناسُ زفير جهنم وشهيقها نَدُّوا فِرارًا منها في الأرض، فلا يتوجَّهونُ قطرًا من أقطار الأرض إلا رأوْا ملائكة، فيرجعون من حيث جاؤوا.
وقال غيره: يُؤمَر بهم إلى النار فيَفِرُّون ولا عاصم لهم.
فأمّا قراءة التخفيف، فهي من النّداء، وفيها للمفسرين أربعة أقوال:
أحدها: أنه عند نفخة الفزع ينادي الناسُ بعضهم بعضًا.
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يأمرُ اللهُ عز وجل إِسرافيلَ بالنَّفخة الأولى فيقول: انفُخْ نفخةَ الفزع، فيفزَعُ أهلُ السموات والأرض إِلاّ من شاء الله، فتُسيَّر الجبالُ، وتُرَجُّ الأرض وتَذْهَلُ المراضعُ، وتضع الحواملُ، ويولِّي الناس مُدْبِرين ينادي بعضهم بعضًا وهو قوله: {يوم التناد}».
والثاني: أنه نداء أهل الجنة والنار بعضهم بعضًا كما ذكر في [الأعراف: 4450]، وهذا قول قتادة.
والثالث: أنه قولهم: يا حسرتنا يا ويلتنا قاله ابن جريج.
والرابع: أنه ينادى فيه كلُّ أُناس بإمامهم بسعادة السعداء وشقاوة الأشقياء.
قوله تعالى: {يومَ تُوَلَّونَ مُدْبِرِينَ} فيه قولان:
أحدهما: هربًا من النار.
والثاني: أنه انصرافهم إلى النار.
قوله تعالى: {مالكم مِنَ الله مِنْ عاصم} أي: من مانع.
قوله تعالى: {ولقد جاءكم يوسف} وهو يوسف بن يعقوب، ويقال: إنه ليس به، وليس بشيء.
قوله تعالى: {مِنْ قَبْلُ} أي: مِنْ قَبْلِ موسى {بالبيِّناتِ} وهي الدّلالات على التوحيد، كقوله: {أأربابٌ متفرِّقون خيرٌ} الآية [يوسف: 39]، وقال ابن السائب: البيِّنات: تعبير الرُّؤيا وشَقُّ القميص، وقيل: بل بعثه الله تعالى بعد موت ملِك مصر إلى القبط.
قوله تعالى: {فما زِلتم في شَكّ ممّا جاءكم به} أي: من عبادة الله وحده {حتى إذا هَلَكَ} أي: مات {قُلْتُم لن يَبعث اللهُ مِنْ بعده رسولًا} أي: إنكم أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدِّد إِيجابَ الحجة عليكم {كذلك} أي: مِثْل هذا الضَّلال {يُضِلُّ اللهُ مَنْ هو مُسْرِفٌ} أي: مُشْرِكٌ {مُرتابٌ} أي: شاكٌّ في التوحيد وصِدق الرُّسل.
قوله تعالى: {الذين يجادِلونَ} قال الزجاج: هذا تفسير المسرف المرتاب، والمعنى: هُمْ الذين يجادِلونَ في آيات الله.
قال المفسرون: يجادِلونَ في إبطالها والتكذيب بها بغير سلطان، أي: بغير حُجَّة أتتهم من الله.
{كَبُرَ مَقْتًا} أي: كَبُرَ جدالُهم مَقْتًا عند الله وعند الذين آمنوا، والمعنى: يَمْقُتهم الله ويَمْقُتهم المؤمنون بذلك الجدال.
{كذلك} أي: كما طَبَع اللهُ على قلوبهم حتى كذَّبوا وجادلوا بالباطل، يَطْبع {على كلِّ قلبِ متكبِّرٍ} عن عبادة الله وتوحيده.
وقد سبق بيان معنى الجبّار في [هود: 59].
وقرأ أبو عمرو: {على كلِّ قلبٍ} بالتنوين، وغيرُه من القرّاء السبعة يُضيفه.
وقال أبو علي: المعنى: يطبع على جملة القلب من المتكبِّر.
واختار قراءة الإِضافة الزجاج: قال: لأن المتكبِّر هو الإِنسان، لا القلب.
فإن قيل: لو كانت هذه القراءة أصوب لتقدَّم القلبُ على الكُلِّ؟.
فالجواب: أن هذا جائز عند العرب، قال الفراء: تقدُّم هذا وتأخُّره واحد، سمعتُ بعض العرب يقول: هو يرجِل شعره يومَ كل جمعة، يريد: كلَّ يوم جمعة، والمعنى واحد.
وقد قرأ ابن مسعود، وأبو عمران الجوني: {على قلبِ كلِّ متكبِّر} بتقديم القلب.
قال المفسرون: فلمّا وعظ المؤمنُ فرعونَ وزجره عن قتل موسى، قال فرعونُ لوزيره: {يا هامانُ ابنِ لي صَرْحًا} وقد ذكرناه في [القصص: 38].
قوله تعالى: {لعلِّي أبلُغ الأسبابَ أسبابَ السموات} قال ابن عباس.
وقتادة: يعني أبوابها.
وقال أبو صالح: طرقها.
وقال غيره: المعنى: لعلِّي أبلُغُ الطُّرق من سماءٍ الى سماءٍ.
وقال الزجاج لعلِّي أبلُغ ما يؤدِّيني إلى السموات.
وما بعد هذا مفسَّر في [القصص: 38] إلى قوله: {وكذلك} أي: ومِثْلُ ما وصفْنا {زُيِّنَ لفرعونَ سُوءُ عمله وَصُدَّ} عن سبيل الهدى قرأ عاصم، وحمزة والكسائي: {وصُدَّ} بضم الصاد، والباقون بفتحها، {وما كَيْدُ فرعونَ} في إبطال آيات موسى {إلاَّ في تبابٍ} أي: في بطلان وخسران.
ثم عاد الكلامُ إلى نصيحة المؤمن لقومه، وهو قوله: {اتَّبِعونِ أهْدِكم سبيل الرَّشادِ} أي: طريق الهدى، {يا قومِ إِنما هذه الحياةُ الدُّنيا متاعٌ} يعني الحياة في هذه الدار متاع يُتمتَّع بها أيامًا ثم تنقطع {وإنَّ الآخرة هي دار القرار} التي لازوال لها.
{من عَمِلَ سيِّئةً} فيها قولان:
أحدهما: أنها الشِّرك، ومثلها جهنم، قاله الأكثرون.
والثاني: المعاصي، ومثلُها: العقوبةُ بمقدارها، قاله أبو سليمان الدمشقي.
فعلى الأول، العمل الصالح: التوحيد، وعلى الثاني، هو علىٍ الإطلاق.
قوله تعالى: {فأولئك يدخُلون الجنة} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {يُدخَلونَ} بضم الياء.
وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: بالفتح، وعن عاصم كالقراءتين.
وفي قوله: {بغير حساب} قولان:
أحدهما: أنهم لا تَبِعَةَ عليهم فيما يُعْطَون في الجنة، قاله مقاتل.
والثاني: أنه يُصَبُّ عليهم الرِّزق صَبًّا بغير تقتير، قاله أبو سليمان الدمشقي. اهـ.